الفصل 8
ركض هاكان ومعه الجنود وعندما كادوا يصلون إلى العربة، سقط وتدحرج الحصان الهائج على المنحدر وتدحرجت العربة معه،تمسكت لوسينا بشدة بخطافات سقف العربة ، لكن العربة تحطمت وأُلقِيت منها خارجاً.
“كيــا!”
لم تعرف لوسينا ما إذا كانت السماء تدور أم الأرض هي من تدور، تدحرجت وتدحرجت بشكل محموم وسقطت على العشب الكثيف.. حدث ذلك كله في غمضة عين، لذلك لم أستطع الشعور بأي شيء في جسدي،لم أستطع حتى أن أفتح عيني بسبب المطر المتساقط من السماء، اخيرا استطعت النظر حولي وضاقت عيناي على راحتي يدي التي بسطتها لأجد أنها مليئة بالخدوش والجروح، لحسن الحظ ، لم يكن المنحدر الصخري شديد الإنحدار،ويبدو أن العشب الكثيف والطحالب قد خففا من تأثير سقوطي، ومع ذلك ، كان من المؤكد أنه كان حادثًا كبيرًا.
بالكاد استطاعت لوسينا النهوض ونظرت حولها،لم تكن تعرف أين هي ولا أين سقطت ،لكنها كانت مدركة بأن عليها أن تجد هاكان أولاً..
فجأة!! رأت مجموعة من الأشخاص يتجولون بحثًا عنها من بعيد.
“هاكان ،آه!”
بمجرد أن رفعت يدها ولوحت بأنها هنا ، أمسك شخص ما برقبتها بعنف من الجانب.
“كــياه!”
صرخت لوسينا وارتجفت عيناها،لكنها استطاعت رؤية الشخص الذي كان يحبس أنفاسها،لا.. لم يكن ذلك هاكان ولا رجاله،لقد كانوا محاربي الصحراء مع عمامة على رؤوسهم ويمسكون بسيف الشمشير،لكن مع هذا لم يبدوا على وجوههم وكأنهم من سلالة صحراوية خالصة،ولايمكن اعتبارهم من شعب مماليك القارة،فانطلاقا من درجات ألوان البشرة المختلفة لثلاثة، يبدو انهم مزيج هجين من اعراق مختلفة ،لكن في كل الأحوال من المؤكد انهم افراد من جماعة قطاع الطرق أو المرتزقة المتوحشين،أو ربما يكونون من تجار العبيد.
“إذا قمتِ بفعل متهور،فسوف أكسر عنقك!”
صاح الغريب ليُفصح عن أسنانه السوداء المتعفنة.
“… … . ”
“هذا جيد،كنتُ أتساءل ماذا سيحدث لو أنها سقطت من العربة وماتت”.
“صحيح،لقد كدنا نخسر الصفقة “.
“هيا بنا،رجال التيار قادمون “.
“علينا السير طوال اليوم دون توقف للوصول إلى ملكية البارون بيرج.”
‘بارون بيرج؟ لوسينا لم تتوقع أبدًا أن تسمع اسمًا مألوفًا من فمِ هؤلاء الأوغاد، هل ارسلتهم البارونة وابنها بيرين ليعيدوها؟..
هي لا تريد،انها تفضل الموت هنا، فالموت اهون عليها من العودة إلى قصر البارون.. كافحت لوسينا بشدة ، في محاولة يائسة للهروب منهم، لكن صفعة من يد الرجل الغليظة على خدها، أفقدتها وعيها بلا رحمة، من ثم علقها على كثفه وغادروا الغابة بسرعة.
كان هاكان والجنود يراقبون الطريق التي تمر عبر غابة بوكا،وعلى الرغم من أن أذى روح القزم كان خطيرًا ، إلا أن المرور عبر هذه الغابة كان أسرع وسيلة للانتقال من مملكة بريون إلى تيار والعكس،ولقد كانت توقعاتهم صحيحة تماما…
*لقد كانوا راضين جدًا عن سهولة المهمة التي تم تكليفهم بها،بعد فترة قصيرة سيكونون خارج غابة بوكا تمامًا،بعد كل شيء،كان رجال التيار مجرد قوة بلا عقل،وليسو بأذكياء، علاوة على ذلك، مع انهم في النهار، إلا أن الغابة كانت مظلمة مثل الليل بسبب هطول الأمطار الغزيرة ، لذلك لن يكون من السهل العثور عليهم وسط العتمة.
“… … ! ”
لكن سرعان ماتبددت توقعاتهم الواهية،ففي اللحظة التي لفوا فيها أنفسهم حول لوسينا ليخرجو من الغابة ، وقف ظل أسود أمامهم مثل حاجز منيع،ذاك الشخص الذي أثار دخانًا أسود وسط المطر الغزير،كان يرتدي درعاً تتلألأ زخارفه مثل حراشف التنين فيما برزت أعلى خوذته قرون طويلة دبتِ الرعب في نفوسهم.
اصطف الجيش الأسود بأسلحته ليحاصرهم، كان الأمر كما لو انهم يعرفون وينتظرون مجيئهم إلى هنا،ومع ذلك ، كان هناك سبب آخر لكون جنسهم متفوقاً،يقولون إنهم أحفاد التنانين،وهذا صحيح تماما فعيونهم لم تعد بشرية وقد انطلق منها وميض أحمر واشتعلت ظلالهم كشرارات النار وسط الظلام.
“أيها الدود القذر.”
كان صوت هاكان ، الذي امتطى حصانه بأقصى سرعة هادئًا جدا بشكل غير متوقع. بدى مثل سيد يأخذ حصانه في نزهة روتينية، لكن!عينيه كانتا تقدحان شرارا بلون الدماء.
عادت لوسينا إلى رشدها على صوت هاكان.
“هاكان!”
عندما نادته لوسينا ، ألقوا بها إلى الوراء وسحبوا أسلحتهم في انسجام تام،لمع نصل شمشير تحت المطر الغزير، مهددين به هاكان، ومع ذلك،كان هذا الأخير غير مبال كما لو انه يشاهد الأطفال أمامه يلعبون. حالما نزل من جواده واقترب منهم ، صوبوا سيف شمشير على رقبة لوسينا.
”لا تقترب! سأذبح حلق هذه الكلبة! ”
اخترق النصل الحاد لحمها ببطء.
“من أنتم؟”
لم يكن هاكان مضطربًا،بدلاً من ذلك، تساءل عن هويتهم.
“ألا يمكنك معرفة ذلك بالنظر؟ ”
“أنتَ قاطع طريق تقلد مملوكي”.
لا أعرف من كلفهم بالقيام بهذا العمل، لكنهم كانوا أغبياء حقاً، لا استطيع القول بأني قد تعرضت للخداع،فقد كنت أعلم أن الأشخاص المقلدين الذين ينتحلون صفة المماليك أصبحو مؤخرًا محتالين أكثر فأكثر،قد يبدو انهم نجحو في تقليد المظهر، لكنهم في النهاية لم يستطيعون تقليد الكبرياء الذي يجب أن يتمتع به المحارب، كان مرتزقة الصحراء المماليك أحد الجيوش القليلة التي يمكن أن تصمد أمام محاربي تيار،ولو كانوا مماليك حقيقيين لما تآمروا مثل الجرذان،فالمماليك دوما يخوضون حرباً مباشرة ليربحوها او يخسروها بشكل عادل…
استنتج هاكان على الفور هوية الرجل الأحمق الذي عهد بالعمل إلى المزيفين.
“لوسينا”.
عندما ناداها هاكان باسمها بصوت منخفض ،تصاعدت الدموع إلى عينيها.
“اغلقِ عينيكِ.”
“… … ؟ ”
“لا تفتحِ عينيك أبدًا.”
كان صوته حازمًا ، واتبعت لوسينا تعليماته وأغلقت عينيها بإحكام.
لقد كان هذا اعتبارًا بسيطًا منه لمشاعرها،حيث أنه لم يرغب في إظهار مشهد قاس أمامها،فمعدة المرأة دوما ضعيفة أمام ذلك، بعد فترة ، رسم هاكان بسلاحه الهالبرت أثرًا أحمر بعد أن مزق أجسادهم، شعرت لوسينا بالقبضة القوية تتراخى عن رقبتها،لتلفحها الرياح الباردة التي قَطعت قطراتِ المطر.
” طراخ! ”
سمعت لوسينا صوت سقوط شيء ما على الأرض الترابية المبتلة، وعلى الفور فاحت رائحة دموية خانقة من جميع الجهات،وبشكل حدسي،عرفت أن كل شيء قد انتهى لذا أمكنها فتح عينيها.
فتحت لوسينا جفونها ببطء.
“هاكان”.
بمجرد أن فتحت عيني،اول ما رأيته كان تعبير وجه هاكان الهادئ،كان يقف هناك بهدوء وكأن شيئًا لم يحدث.. ومع ذلك ، بغض النظر عن كيفية تظاهره بأنه لا شيء حصل؛لا يمكنه اطلاقاً إخفاء الدم الذي كان يتقطر من نصل سلاحه…
تناثرت أطراف الرجال الممزقة إلى أشلاء من حولها،أرادت لوسينا فقط التوقف عن المشاهدة،ولكن ماقد تم التغاضي عنه هو أن نظرة الإنسان تنتشر على نطاق واسع، وحتى لو لم ترغب في رؤية المشهد، فقد أُجبِرت على إلقاء نظرة.
“كيــاه !”
بمجرد أن أدركَتْ ما حدث،شعرت بالغثيان من رائحة الدم المقززة،وتذكرت رؤوس الفرسان المعلقة على بوابات القلعة،في النهاية البشر هم أكثر الكائنات قسوة في العالم،البارونة وبيرين الذين أساءوا إليها وهؤلاء الذين تم تحريضهم على مهاجمتها، وحتى هاكان الذي عاقبهم بضربة واحدة،جميعهم قساة القلب.
بحقِ الجحيم أنا لا أعرف حقا من هو الخير ومن هو السيء،لا شيء يمكن تحديده بوضوح، ولكن هناك شيء واحد مؤكد وهو، أن جسدي وروحي لم يعودا لي،انها الان ملك لهذا الرجل بالكامل…
لقد أدرَكت في أعماقها أن المالك الذي يمتلكها قد تغير من بارون بيرغ إلى ملك تيار عظيم ، وأن حياتها دخلت أيضًا في مسار مختلف، لِتُسائلَ نفسها إن هي قامت يوما بخيانة هاكان، فهل سيمزقها حتى الموت مثلهم؟،(يوك) تقيأت لوسينا بعنف مرة أخرى.
“لوسينا”.
ناداها هاكان بعد فترة.
“نعم… … . ”
ارتجفت لوسينا ومسحت فمها بظهر يدها. رأى هاكان الخوف والرعب في عينيها وهي تنظر إليه،حسنًا، انها مندهشة من أن ذراع الرجل الذي كان يستهدف رقبتها قد قُطِعت وسقطت عند قدميها.
“تعالى إلي.”
شعرت لوسينا بمزيج من الخوف والإرتياح عندما خاطبها مالكها وزوجها ونادى عليها باسمها،اتخذت على الفور خطوة للأمام بجسدها النحيل، ومع ذلك ، هاكان ، الذي لم يكن سعيدًا بدوس قدم لوسينا على قطع اللحم والدم، سرعان ما انتشلها وحملها من خصرها.
* بعد المرور عبر غابة بوكا ، كان الطقس صافياً كما لو انها لم تكن تمطر بغزارة،ومع ذلك،وبسبب التأخير الطويل ، كان ضوء الشمس الأحمر يغرب بالفعل في السماء الغربية..
أشعل الرجال النار وسط الحقول وطبخوا الطعام…لم يكن لدى لوسينا أي فكرة أن نار المخيم في الحقل ستكون أكثر دفئًا من مدفأة القلعة ، وأن البطانية الخشنة ستكون أكثر راحة من السرير الناعم، بالطبع ، لم تستلقي لوسينا على سرير ناعم أبدًا،فعندما كانت في القلعة لم يكن هناك سوى بطانية واحدة قديمة على لوح خشبي،ومع ذلك ، يمكنها مقارنة الأشياء بخيالها.
كانت لوسينا قد عبرت الغابة وهي جالسة أمام هاكان على الحصان،لقد سقطت عربتها من أعلى المنحدر وتحطمت ، لذلك كان عليها أن تركب معه حتى لو لم ترغب في ذلك،في البداية كان من غير المريح أن تكون قريبة منه،ولكن دون أن تدرك ذلك ، استندت على صدره الواسع ونامت لأكثر من ساعتين،لم تستطع فهم مشاعرها المتناقضة فهي تشعر بالارتياح من قوته ولكنها في نفس الوقت تخاف من قسوته،من الواضح أنها كانت محظوظة لأنه أنقذ حياتها ولم يتم جرها إلى عائلة البارون، ولكن كان هناك ماهو واضح ايضا وهو أن هاكان رجل قاسٍ ومخيف،لقد كانتْ متأكدة دوما من أن قصر البارون بيرج مكان يمكنها الهروب منه يومًا ما لو هي استطاعت فقط عبور الجسر المتحرك، ولكنها الآن،مع هاكان أدركت أنه كالموت لا تستطيع الهروب منه ابداً،لقد رأت أخيرًا الحقيقة الصادمة التي كانت تواجهها.
“لوسينا. ”
اقترب هاكان،الذي كان بعيدا ودعاها..
“نعم؟”
ردت لوسينا بدهشة فقد كانت شاردة.
“هل أنتِ خائفة مني؟”
“… … . ”
شعر هاكان بذلك بالفعل حتى لو لم تكلف نفسها عناء الرد عليه، كان ذلك لأن عيون لوسينا كانت مختلفة تمامًا عن عيون الأمس، بالأمس كانت عيناها تجمع بين مزيج الخوف والفضول! لكن الآن نظراتها أصبحت كلها خوف، ومع ذلك ، فهو لا يريد للوسينا أن تتطمئن وتفقد حذرها بقوله ((لا داعي للخوف مني.)) فحتى هذا الشعور الشخصي لا داعي له،لأنه قد يغرس في داخلها املاً عديم الفائدة، فهذا ما عليها ان تمر به في كل الأحوال،ولكن هناك شيء واحد، يمكنه ان يعدها به بصدق:
“سأبذل قصارى جهدي لحمايتكِ حتى الموت.”
عندما تصل إلى تيار وتبدأ حياتها كملكة ، قد تكون هناك أمور أكثر صعوبة تنتظرها من التي مرت بها اليوم! قد تصبح لوسينا ، وهي امرأة بشرية عادية ، ضعيفة الجسد بسبب الطاقة الروحية القوية المنبعثة من أرض تيار ، وقد تموت فجأة بعد أول ليلة لها،بالطبع ، يمكنها أن تحمل وتلد ذريته، ولكن هو يدرك جيداً مدى صعوبة هذه العملية.. فقصر ملوك الـ تيار ليس مكانا يمكن لأي شخص أن يعيش فيه، إنه انتقائي وليس كقصر مملكة عادية ،ففي قصره ليس من الضروري أن يكون لديك مكانة أرستقراطية وأصل نبيل،ولكن من الازم ان يكون لديك عقل وجسد وروح قوية لتستطيع الاستمرار في العيش، لذا من الأفضل تقَبُلُ حياة تيار على أنها قدر محتوم.
“ما الذي تتحدث عنه؟”
لم تستطع لوسينا فهم ما قاله هاكان.
حتى الموت؟ كان الأمر كما لو كان يتحدث عن حدث مقدر ومحتوم،هل يقول أنه سيبذل قصارى جهده لأنها ستموت؟ أم أنه سيموت قريبًا وسيحميها حتى ذلك الحين؟ماقاله لم يبدو معناه جيدا في كلا الحالتين بالنسبة لها.
“هاكان ، …انا … لا أريد …تموت … .” حاولتُ التحدث بصعوبة ، لكنني تمتمت مرة أخرى لقد سئمت من هذه العادة المقيتة.
“أجل،لا تَمُت.”
على الرغم من تمنيات لوسينا ونبرتها الصادقة ، كانت إجابة هاكان جافة بما يكفي لإثارة الرجفة في قلبها، إلى جانب ذلك،هذا لم يجعلها تشعر بالأمان على الإطلاق.
“لوسينا ، أتمنى أن تكوني امرأة قوية.”
أراد هاكان الحديث مع لوسينا، ولكن في الوقت الحالي ، هناك حد لمقدار كلام القلب الذي يستطيع قوله لها.
نهاية الفصل
ملاحظة((الشمشير المذكور فالفصل هو أحد أنواع السيوف الفارسية المشهورة.((
بالنسبة لكلمة ” كياه” لمن لا يعرف فهي تعبير عن الصراخ باللغة الكورية.
دمتهم سالمين، ♥️
ترجمة/انفاس الفجر&Nirach
يتم ترجمة هذا العمل من لغته الأصلية الكورية،وهي ترجمة حصرية لموقع كلاكسي مانغا.

التعليقات