الحلقة 11
‘هاه!’
فتحت لوسينا فمها من الصدمة وقد عجزت عن الاستيعاب.
تم بناء قصر الـ تيار الضخم من الرخام وسقفه شيد على شكل قبة صنعت كلها من الذهب الخالص ومزخرفة بالنقوش.
اتسعت عيناها وأمالت رأسها إلى الوراء تدريجياً.
منذ العصور القديمة ،حط شعب بريون من قدرِ شعب التيار واعتبروهم كقبيلة متوحشة غير متحضرة، وقيل عنهم أنهم يعيشون في أكواخ أو كهوف ويأكلون الحيوانات البرية،
لذلك ، بغض النظر عن مدى فخر شعب التيار كمملكة وليس كقبيلة ، فإن العديد من الدول في القارة لم تعترف بهم،وكانو دائما يشكلون جيشًا تحت راية التحالف، وشنوا حروبًا لغزو أرض تيار كل بضع سنوات.. والآن، يبدو أنها تعرف السبب الحقيقي وراء ذلك، فبالرغمِ من انها أرض صغيرة ولكنها غنية جداً بالموارد الطبيعية الثمينة،باختصار كانت مكانًا يطمع اي شخص في الحصول عليه.
“إنه مبهر”.
تذكرت لوسينا في هاته اللحظة ماكان يقوله بيرين دوما.
[التنانين مغرمة بشكل خاص بالذهب ، ويقال أن مساكنهم ومقابرهم مليئة بالذهب.] من بين كل الكلمات التي خرجت من فمه ، هذا هو الشيء الوحيد الذي لم يكن كذباً.
كان القصر الملكي رائعًا وفاخراً ومثيرا للدهشة ،لكن الأكثر إثارة الإعجاب هو أسلوب العمارة الفريد من نوعه والذي كانت أبعاده متناسبة تماماً،وأيضا هناك الزخارف المنقوشة بإتقان على الأعمدة والسقوف والجدران، كل هذا كان مبهراً بما يكفي لجعل الناس يفتحون افواههم من الدهشة… لم أرَ قصر بريون الملكي مطلقًا ، لكن كان لدي شك في أنه سيكون كبيرًا ومبهرا مثل هذا القصر…
نوعا ما لا يمكنها وصف ارض الـ تيار بالمملكة بالطبع هي لا تستطيع الجزم بذلك لأنها لم تتطلع على المكان ولا تعرف الحدود الذي تنتهي فيها أرضهم، كان الأمر يتعلق فقط بالنظر الى القصر الملكي ومحيطه.. فمن حيث الحجم ، كانت الأرض أصغر من أن تسمى مملكة ، لكن اكبر من أن نعتبرها مجرد إمارة،على كل، صُدمت لوسينا بمشهد مختلف تمامًا عما كانت تتخيله.
“هل انتِ متفاجئة؟”
“نعم؟ نعم. كبير جدا ورائع … … ” .
عندما قامت لوسينا بإمالة رأسها إلى الوراء ونظرت حولها ، ابتسم هاكان بسعادة.
“الآن هذا هو منزلكِ.”
“… … ! ”
صدمتني كلمات هاكان أكثر مما تفاجأت برؤية القصر.
إنه منزلك … … . على الرغم من أنه كان يتحدث وهو بجانبي الا ان تركيزي كان غائبا وقد سرحت بأفكاري بعيداً..لقد كنت أتوقع أن أنجر إلى قبيلة صغيرة وأن أعيش حياة بائسة، لا، في الحقيقة كنتُ سأستطيع في كل الأحوال تقبلَ العيش في كهف أو كوخ بسقف يعلوه القش.
فجأة! تعثرت لوسينا ، وأمسكها هاكان على الفور.
“أتشعرين بالدوار؟”
“نعم.”
لم الاحظ ذلك مسبقا بسب الصدمة التي أصابتني عندما رأيت مناظر تيار العجيبة، والقصر الملكي الرائع ، لكن عيناي كانتا ضبابيتين وشعرت بالدوار منذ قليل، في الواقع ،مند ان عبرت الحدود لداخل هاذه الأرض كانت هناك رائحة غريبة تحفز حواسي،وكأنها رائحة احتراق شيء ما، بدت مثل مزيج من المسك المركز والكبريت،وكانت هاذه اول مرة اشم فيها مثل هاذه الرائحة.
“… … . ”
نظر هاكان إلى لوسينا بقلق.
يبدو انها أيضا لن تقدر على العيش طويلا هنا،نظراً لأن طاقة الأرض قوية جدًا ، فقد بدأت تظهر عليها الأعراض بالفعل. ستصبح لوسينا ملكة في المستقبل ، لكنها لا تعلم أنه سيكون من الصعب جدًا الوصول إلى هذا المنصب،فقد تموت في غضون شهر او اقل، ولهذا السبب عليه كملك ألا يعطي قلبه بسهولة للمرأة المختارة،لأنه ان أعطى مشاعره فألم الفقد سيكون أقوى بموتها.
“لقد عاد الملك العظيم!”
صاح احدهم عندما وصلوا أمام القصر ، اصطف حراس القصر في طابور، و افترقت الصفوف على الجانبين وشقو طريقهم وسطهم.
دخل هاكان ورجاله الشارع الرئيسي للقصر ، أحنى الحاشية على كلا الجانبين رؤوسهم، لقد كانوا مهذبين للغاية مع ملكهم النبيل.
شعرت لوسينا بالحرج وهي جالسة أمام هاكان على الحصان، من الطبيعي أن يكون الجميع محترمين في حضرته ، لكن الحيرة بدت جلية على تعابيرهم،لم يكن الأمر انها لاتتفهم أسباب شكوكهم، فهي ايضا لو كانت مكانهم ستستغرب إحضار الملك لامرأة مجهولة وغريبة الشكل.
عرفت لوسينا جيدًا كيف كانت تبدو.
فلم تكن ترقى للمستوى المطلوب، ابتداءً من لون شعرها المصفرِ البشع إلى البقع الحمراء التي تغطي وجهها إلى ردائها المتسخ بسبب ما مرت به خلال رحلتها الطويلة،…لا، هذه كلها أعذار واهية، فالحقيقة هي انها لم تتوقع ابدا انها ستكون زوجة للملك، ومظهرها للأسف لايساعدها على تقبلِ ذلك.
“دعونا ننزل.”
“نعم.”
حضن هاكان لوسينا وأنزلها عن الحصان. سرعان ما جاء افراد حاشيته يركضون وأخذوا مقاليد الحصان.
حاولت لوسينا جاهدة تجنب أنظار الناس ، على وجه الخصوص أعين السيدات اللواتي كن في حشود الاستقبال، لكن رغم محاولاتها ، طارت نظراتهم نحوها مثل الإبر وعلقت في جميع أنحاء جسدها.
قيل لها إن التيارين كانو يعانون من نقص حاد في عدد النساء ،وبالنظر إلى طبيعة جنسِ الحاشية ، كان هناك عدد أكبر بكثير من الرجال،مقارنة بعدد النساء، كان من المثير للدهشة بشكل خاص أن خادمات الشرف كان لديهن أعراق مختلفة،فيما جميع الرجال من التيارين بدو مثل هاكان وتوران. بالنسبة للنساء كان مظهرهن مختلفًا عن بعضهن البعض، ربما هذا لأنهن ينحدرن من اعراق وبلدان مختلفة.
كانت هناك نساء بشرتهن فاتحة مثلها ، ونساء ذوات بشرة برونزية وشعر أسود مميز، وكانت هناك نساء بشرتهم شديدة السواد بحيث يمكن رؤية البياض في عيونهن وأسنانهن فقط.
الغالبُ ان معظمهن كن سبايا حرب ، ونساء من قبائل قريبة أو من قارات بعيدة وراء البحر…
فجأة اقترب رجل عجوز مع ريشة غريبة على رأسه ومجموعة من العظام الشبيهة بالأنياب من هاكان.
انحنى الرجل العجوز باحترام لهكان.
“جلالتكَ!”
“قداستكَ”.
قداستكَ؟! عندما تمعنتُ في النظر اليه، لا أعرف ما إذا كان هذا الرجل العجوز كاهنًا حقاً، فقد بدت هيئته مخيفة جدا ووجهه قاتم وبشع!!.
عادة عندما تفكر في كاهن ، فإنك تفكر في شخص يعيش في مبنى حجري أبيض ، ويرتدي سترة من الحرير ، ويضعُ قبعة طويلة مطرزة بالذهب.لا، الآن لم يكن الوقت المناسب لشكوكها ولا لتفحص هذا الرجل العجوز المدعوِ الكاهن،فلقد كان يحدق بها بحدة وهذا ارعبها.
‘انا خائفة.’
… اختبأت لوسينا بسرعة خلف ظهر هاكان. ومع ذلك ، طاردها الكاهن من الخلف وبدأ في رشها بالماء.
“… … ! ”
غمس يده مرة اخرى في وعاء فضي كبير ، ورش قطرات الماء عليها من رأسها إلى أخمص القدمين ، وتلفظ تعويذة غير مفهومة.
“لوسينا ،لا تخافي إن هذا تطهير من الشؤمِ والشرِ للغرباء”.
قال هاكان مبتسما بهدوء للوسينا ، التي كانت مختبئة خلفه مثل طفل.
‘تطهير؟’
شرح هاكان المزيد لها ليزيل حيرتها.
يعتقد أهل تيار أنهم إذا غادروا المملكة ، يمكن أن يصيب الشؤم والشر اجسادهم وأرواحهم ،لذا فهم فيطهرونها بالماء المقدس عند عودتهم إلى مسقط رأسهم،وشرح لها أن الكاهن لم يقصد الأذى بل هو هكذا يرحب بها لذا عليها الا تخاف.
‘ولكن أليسَ يرشها بالكثير؟’ كان الكاهن يرش الماء على رأس لوسينا ووجهها حتى وصل الماء المقدس إلى قاع الوعاء الفضي، بالنتيجة أصبحت مبللة تماما من رأسها ووجهها وجسمها كاملاً، على مايبدو ان الكاهن اعتقد أنها مصابة بالشؤمِ والشر، ربما نواياه كانت جيدة لكنها أصبحت في حالة يرثى لها، بدت مثل جُرذ غارق ،لكن ! بما أن هاكان قال انه اجراء ضروري لايستدعي قلقها، لذلكَ هي ليست مستاءة.
ومع ذلك ، كان الطريق مزدحما بالناس كما لو انه هناك طقس اخر باقٍ.
وعلى الرغم من أنها لم تتحرك خطوة واحدة نحو القصر الرئيسي بعد ، إلا أن لوسينا تعبت من عملية الترحيب المستمرة.
“ملكي!”
سَمعتْ صوتا ينادي بحزن،وسرعان ما ركضت امرأة ترتدي اللون الأرجواني نحو هاكان.
بعد تفكيرها في الأمر يبدو أن النساء هنا يرتدين أردية مصنوعة من قماش رقيق من الرأس إلى أخمص القدمين ويرتدين ملابس تكشف عن أعلى صدورهن والبطن،وحتى سيقانهن تظهر من تحت تنانيرهم الشفافة القصيرة .
‘جميلة.’ رددت في نفسها،فقد كان من المدهش أن تكون المرأة التي قفزت بين ذراعي هاكان جميلة بشكل غير واقعيِ.. كانت فاتنة بملامحها المنحوتة ، وعيناها البنيتان الساحرتان ، وبشرتها البرونزية الداكنة ذات المظهر الصحي المشرق،لكن الأكثر فثنة هو جسدها الحسي المغري فحتى الأنثى نفسها ستكون غير قادرة على رفع عينيها عنها بسبب جمالها،وانطلاقا من رؤية ملابسها الفخمة ومجوهراتها الذهبية ، بدا أنها تتمتع بمكانة عالية جدا.
“ملكي! أنت لا تعرف كم كنتُ قلقة عندما قيل لي انك داهبٌ لِتُعاقب لصوص القبور ، حتى أنكَ أخذت تنينًا طائرًا معك، لقد كانت معركة كبيرة ، لكن هل انت بخير؟ ”
عانقت المرأة هاكان بإحكام وذرفت الدموع في الحقيقة كان هذا التعبير عن المشاعر شبيها بتعبير الزوجة عند ترحيبها بزوجها بعد عودته من الحرب…
عند هذا المشهد قلبي كان ينبض بغرابة..وشعرت الإحراج من صوته السموع لي… بدى كما لو أنه قد ينفجر في أية لحظة.
“جاريت ، لقد عدت ، لذا امسحي دموعكِ.”
قال هاكان،وهو يدفع المرأة بعيدًا عن ذراعيه.
ولكن ما هي بالضبط هوية تلك المرأة المسماة “جاريت”؟ هل يمكن أن تكون محظية هاكان؟ أو زوجته؟ غريب!!لقد سمعتُ أن رجال تيار ، بمن فيهم هاكان ، ليس لديهم محظيات غير زوجاتهم.
حسناً ، من الناحية الشرعية، يطلق عليه الزواج الأحادي، لكنني لا أعرف بعد ما إذا كانو يلتزمون بهذا بالقانون.
هاكان ، الذي كان يربت على كتف جاريت الباكية ، التفت إلى لوسينا:
“جاريت ، لدي شخص أقدمكِ إليه.”
لم أكن مستعدة لتقديم نفسي في مثل هذا الوقت،لكن أوان الاختباء كان قد فات بالفعل. أمسكت يد هاكان الكبيرة بمعصم لوسينا وشدها بالقرب منه،غاريت التي كانت تتابع بتركيز تحركات هاكان،أضلمت تعابيرها بسرعة.
“ابنة البارون بيرج، ستصبح زوجتي وملكة تيار في المستقبل “.
عند إعلانه ، تذمر الناس،مع هذا ظلت كل العيون مركزة على لوسينا.
أوه،حقًا ! في أوقات كهذه تتمنى لو كان هناكَ جُحرُ فأر يسعها لتختبئ فيه بسرعة.
لم تستطع لوسينا رفع رأسها، كانت مستاءة قليلاً، لا بل كثيرًا بسببِ إهمال هذا الرجل. بالطبع،لم يكن تقديمها لهم من طرفه فعلاً خاطئاً، ولكن التوقيت هو الذي لم يكن صحيحًا.
كان الوضعُ مُحرجاً،فكم سيكون من الجيد لو مُنِحت فرصة تقديمِ نفسها لهم وهي ترتدي ملابس نظيفة على الاقل حينها كانت ستبدو مثل انسانة طبيعية…وأيضا كانت هناكَ مشكلة أخرى وهي أن البقع الحمراء على وجهها لم تشفى بعد، وهذا أزعجها كثيراً.
لكن لوسينا لم تكن الوحيدة المنزعجة من شكلها الغريب.
“أوه! هل انتِ مصابة بالطاعون ؟ ”
رأت جاريت وجه لوسينا وصرخت بصوت عالٍ ، وتراجع جميع رجال البلاط،قبل أن تضيف باشمئزاز وهي تغطي فمها وأنفها بِكمِ يدها:
“ما مدى خطورة المرضِ الذي يجعلُ الدم يسيل من رأسكِ ؟”.
“الدم يسيلُ من رأسي؟”
أكثر من تفاجأ بهذه الكلمات كانت لوسينا. منذ فترة وجيزة ، كان الكاهن يرش الماء المقدس عليها لتنقية سوء الحظ ، وكان شعرها مبللاً.
“الصبغة تزول!”
بحق الجحيم ماهي طبيعة الماء الذي رشه الكاهن عليها وتسبب في تحللِ الصبغة السامة؟ فحتى الأمطار الغزيرة ومياه النهر لم تستطع ذلكَ… فكيف هذا! ؟..
فوجئت لوسينا بتساقط اللون الأحمر من شعرها أكثر مما تفاجأت جاريت أو رجال البلاط.
“لنرحل”.
بالطبع ، سرعان ما خمد الاضطراب عند سماع كلمات هاكان الحازمة.
وبينما كان يسير نحو القصر الرئيسي ممسكًا بيد لوسينا ، تبعه رجال الحاشية. أثناء المشي لفترة طويلة ، توقف هاكان فجأة ونظر إلى لوسينا.
“لوسينا”.
“نعم؟”
“أنتِ امرأتي،وملكة المستقبل.”
أعرف ذلك ، لكنني لم أستطع عدم الشعور بالخوف عند رؤية تلكَ المرأةِ التي تدعى جاريت،بالإضافة إلى أنني لم أرى من بمثلِ جمالها من قبل في حياتي،ولأكون صادقة مع نفسي، بدت جاريت وهاكان وهما بجانبِ بعضهما البعضِ متناسبانِ كرسمة داخل لوحة فنية.
كرِه هاكان قيام لوسينا بِطأطأةِ رأسها طوال الوقت وكأنها مجرمة.
فطالما هي امرأته،فليس عليها ان تخاف من أحد ولا يجبُ ان تفقد ثقتها بنفسها.
“أنتِ سيدتهم، وهؤلاء الأشخاص كلهم تحت إمرَتِكِ وواجبهم خدمتكِ واحترامكِ”.
“حسناً.”
“لذا لا تحني رأسكِ لأحد.”
“… … ! ”
نظرت لوسينا إلى هاكان بدهشة.
[أنتِ امرأتي ، لا تحني رأسكِ.]
رنت الكلمات في أذني لوسينا مثل تعويذة سحرية،جعلت قلبها الذي هدأ للحظة، يدقُ مثل جرس الكنيسة.
“هـــا…..كان “.
نادت لوسينا اسمه بصوت ضعيف.
وفجأة ، أصبح محيط رؤيتها ضبابيًا، وأخر شيء استطاعت رؤيته بوضوح كان وجه هاكان.
نهاية الفصل الحادي عشر دمتم بود❤️
/Nirash/ترجمة انفاس الفجر☺️

التعليقات